الحشيش والقرقوبي والكالة لتلاميذ المدارس العمومية والغبرة للمدارس الخصوصية
«الفانيدة »«غريبة» « شكيليطة» «القاتلة» «السخونة » و «خرشيشة» ليست أسماء حلويات منزليه ولكنها أسماء مختلفة من المخدرات التي يتناولها التلاميذ المدمنون، يعتبرها بعضهم كلمة السر، يتم تداولها بينهم بتكثم شديد، فيما البعض الآخر وبكل جرأة يقر تناوله للمخدرات من قرقوبي،كالة، حشيش إلى الغبرة البيضاء .
المخدرات في الوسط التلاميذي أصبحت آفة تثير قلقا متزايدا سواء لدى الأسر أو المربين على مصير التلاميذ الدراسي والتحصيل العلمي، تضرب في الصميم الهدف الأسمى للمؤسسات التعليمية في التربية والتكوين،أصبح معها الأباء وأولياء الأمور وهيئة التدريس يدقون ناقوس الخطر من آفة تنخر المحيط التعليمي،جعلتها عصية عن التفكيك والمحاربة ،لم تستطع الحملات التمشيطية التي تقوم بها فرق مكافحة المخدرات بالوسط التلاميذي أن تقضي على هذه الظاهرة التي تهدد مستقبل الناشئة .
شبكات الترويج في الوسط التلاميذي، تستغل عدم استيعاب الصغار والمراهقين للأضرار الاجتماعية والنفسية للمخدرات، وكذا المشاكل الأسرية كالتفكك العائلي واالفقر والعوز للبعض الآخر.
رانيا، لمياء، سيمو، رفيق، منال.. جاء تناولهم للمخدرات ك« ضسارة » ليتحول إلى ندم شديد دفعهم إلى طلب العلاج من الإدمان الذي استعصت تكاليفه لدى غالبيتهم بسبب قصر اليد.
طريق اللاعودة
وقف« سيمو» الذي لم يتجاوز سنه الرابعة عشر في ركن متطرف من الشارع وهو يدخن » جوان » بنهم دخل بعدها في قهقهة عارمة بعدما سرى مفعول المخدر ،ليتحلق حوله التلاميذ وهم ينبشون في ذاكرته محاولين استرجاع صور شغبه المثيرة داخل الفصل. فيما انتشى اعتزازا من قدراته الخارقة في « الضسارة » على أساتذته،لم تتردد المجموعة في الحديث عن المخدرات التي اعتبروها أمرا عاديا داخل المؤسسات التعلمية تباع كما يقولون » على عينك يا بن عدي » دون أن تتحرك فرق مكافحة المخدرات داخل الوسط التلاميذي الذي تبقى حسب أغلبيتهم حملاتها موسمية ومحدودة، تعتقل معها عددا من التجار ليعود إلى ممارسة نشاطهم بشكل أكثر حدة.
عرف سيمو قبل تعاطيه المخدرات بجديته وتفوقه الدراسي واتزانه ،لكن الأمور انقلبت رأسا على عقب في النصف الأخير من الموسم الدراسي المنصرم ،بدأت معاناته مع » شر البلية » بتذوقه لأول مرة للسيجارة التي كان يختبئ وهو يدخنها قبل أن ينكشف أمره لدى الأسرة التي بعد فترة طويلة من التوبيخ والعقاب استسلمت للأمر الواقع ،واعتقدت أن » البلية » ستقتصر على التدخين ،لتكتشف بعد مرور فترة ليست بالقصيرة أن ابنها مدمن على المعجون وهو ما يدفعه إلى المطالبة المستمرة للمال وإن لم يجده يأخده بالقوة.
لجأ إلي السيجارة وأقبل عليها منذ صغره فقد كان في منتهى السعادة شعر أنذاك أنه رجل ونجح لحد الآن في التملص من شكوك والده ،يقتني علبة السجائر كل صباح من أحد الباعة القريب من إعداديته ،أجاب بابتسامة خجولة « كاع الناس المهمين كيدخنو» فرغم علمه بأضرار الإدمان لا تكاد السيجارة تفرق يده فهو يدخن بشراهة الواحدة تلو الأخري كان دائما يطمح للفت الإنتباه وحتى التشبه بالمميزين وجد في السيجارة ثم المعجون حلا لمشاكله وهمومه فهو يؤكد بلغة مليئة بالتذمر بأنه يتعاطى المخدرات لأن حياته لايمكن أن تكون أسوء ، فهو يعترق أنه لا يستطيع إمضاء اليوم دون أن يتعاطى المخدرات فمنذ أن انفصلا والديه وهو يعيش مهموما يحرص على تعاطي شكيليطة بعيدا عن أعين الطاقم الإداري الذي يتربص بشكل مستمر ،مرات عديدة تلقى العقاب الذي كان إنذارا يخاف أن يتحول إلى فصل عن الدراسة.
الإدمان ليس حكرا على الذكور
يبدو أن الإدمان لم يعد حكرا على الذكور فحتي الفتيات أصبح عددهن يتزايد يوما عن يوم ،يبدو من قسمات وجهها أنها لم تتجاوز الخامسة عشر ربيعا وقد كان واضحا من طريقتها في التدخين أنها لم تكن المرة الأولى ،لم تنزعج من الحديث عن إدمانها » ما شي أنا بوحدي اللي كنكمي » لم يتوقف إدمانها عند السيجارة بل تجاوزها لتعاطي «القاتلة »
لم يعد مفاجئا أن نجد فتيات في عمر الزهور يتعاطين المخدرات بكل أنواعها ،انطلقت بالنسبة للمياء متعة لتتحول إلى نقمة ، فهي اختارت التدخين باعتباره حرية شخصية تحقق أعلى درجات التطور ،تحول بعدها تذوقها لأنواع مختلفة من المخدرات إلى ندم من إدمان حول حياتها إلى كابوس دائم،تحسرت على السموم التي تنخر جسدها الطري بحسرة عبرت عن هذا الندم وعيناها لا تفارق الأرض في محاولة لإخفاء الحزن والألم الذي تشعر به « في الأول كانت غير تفلية ومن بعد ولات إدمان ما قدرش نتخلص منو » تمنت لو عاد بها الزمن إلى الوراء لرفضت تلك السيجارة التي قبلتها ذات يوم بالثانوية تحت دعوى الحرية الشخصية.
بدأت التدخين أول مرة حيث عرض عليها صديق سيجارته رفضت في البداية قبل أن تلتقطها من بين يديه عندما سخر منها ونعتها بالجبانة ،في البداية أصيبت بسعال شديد لكن بعد مدة قصيرة تعود جسمها على استنشاق دخان السيجارة ،كانت تدخل خلسة إلى حمام المدرسة تتذوق الطعم الحقيق للسيجارة ،لكن الإدمان كان لها بالمرصاد،حيث لم تتمكن رغم محاولاتها العديدة التخلص من الإدمان على شكيليطة التي تجعلها تبحر في عالم الأحلام ،بعيدا عن واقعها الإجتماعي الفقير.
ماريا لم تكن تعلم وهي تمد يدها لأخد قطعة شوكلاطة من زميل لها أن بدل ذلك تناولت قطعة من المخدر ،لتسقط أرضا مغمية عليها. ففي الوقت الذي كانا فيه يستفيدان من الدروس الخصوصية الليلية إذ بزميلها يمنحها جرعة زائدة من المخدر«المعجون»، لتسقط بعد دقائق مغشية عليها ليتم نقلها إلى أحد مستشفيات المدينة، حيث وقف الطبيب الرئيسي على حالتها وأخبر عناصر الأمن الوطني الذين بعد البحث والمراقبة تمكنوا من إحكام قبضتهم على تاجر المخدرات الذي جعل من محيط المدارس مجالا لترويج سمومه ،كانت مريا أكثر حظا،وتم إنقاذها قبل أن تتحول إلى ضحية من ضحايا الإدمان كمنال التي مازالت من حين لآخر تزور الطبيب المعالج بمركز علاج الإدمان بالدار البيضاء .
منال التي تتابع دراستها بالجدع المشترك بإحدى المؤسسات التعليمية الخصوصية التي يطلق عليها البيضاويون والبيضاويات خمس نجوم ،لم تتصور يوما أنها ستتناول المخدرات،التي أصبحت مدمنة عليها بفعل الرفقة السيئة،كانت صديقتها قد أسقطتها في حباله ،لتصير حبيسة البحث عن نقود لشراء المخدرات بدل الاهتمام بالدراسة. انغماسها في براثين الممنوعات جاء كنوع من التباهي أمام الأصدقاء والصديقات ،ففي حفلة عيد ميلاد صديقتها بدأ فضولها يدفعها إلى تجريب طعم السيجارة والذي تحول بعد ذلك إلى المخدر، الذي كانت تدخنه صديقتها التي ما فتئت تدعوها باستمرارإلى تذوقه ،فاستسلمت للأمر الواقع وتناولت بداية غريبة ،فالمعجون،منذ ذلك الوقت ودراستها في تراجع مستمر،ما آثار انتباه والديها الذي بعد سلسلة بحث اكتشفا أمر إدمانها ،فكان يوما مازالت تتذكر تفاصيله المريرة حيث كاد والدها أن يزهق روحها لولا تدخل والدتها التي أنقدتها من موت محقق، لحظة لامت نفسها لوما فظيعا ،فقررت بدأ علاج الإدمان الذي أخد منها وقتا طويلا كي تعود إلى حالتها الطبيعية.
حكاية مريا ولمياء هي قصص كثير من التلميذات اللواتي أدمن علي المخدرات إما« ضسارة » أو بسبب سوء الرفقة ،كان هوس تجار المخدرات بالربح سببا في تفشي المخدرات بالوسط التلاميذي أضحى معه التدخل ضرويا بل حثميا كما شدد على ذلك على عدد من الفاعلين الاجتماعيين
أساليب وخدع
حيل وخدع كثيرة يلجأ لها تجار المخدرات لترويج سمومهم في الوسط التلاميذي، منهم من يتخد من تجارة السمك غطاءا لإيهام رجال السلطة وفي نفس الوقت يقوم بترويج المخدرات بمحيط المؤسسات التعليمية ، يتخد من أبواب الثانويات والإعداديات مقرا له ،يقوم باصطياد التلاميذ الذين أصبحوا زبناءه المفضلين ، واحد منهم لم تستطع عناصر الشرطة من اعتقاله إلى بعد فترة تربص به لتكتشف أنه المزود الرئيسي للمؤسسات التعليمية بالمدينة القديمة بمخدر المعجون ، بعد ملاحقة دائمة أسفرت عن اعتقاله وهو يزود تلميذ بمادة المعجون،هذا الأخير الذي أكد أنه كان يقتني المخدرات من بائع السمك إلى جانب الشيرا.
فيما تفتقت عبقرية تاجر آخر اتخد من باب الثانوية بسيدي عثمان مقرا له ،كان يمزج معجون « سلو » بمخدر الحشيش ليبيعه إلى التلاميذ ،فقد انطلق في البداية كبائع لل« المسكة والفنيد » وعلب السجائر، ليبيع بعد ذلك الحلويات الممزوجة بالمخدرات ك » شكيليطة ،غريبة ثم كيكة ، جعلت كل من يتناولها من التلاميذ يدخل في نوبات ضحك هستيرية، غاب معها التركيز وتراجع التحصيل الدراسي ،ماأثار انتباه الأساتذة الذين حاصروا التلاميذ الذين اعترفوا أن هذه النوبات ترجع إلى تناولهم لحلويات » با عمر » ، لم تنتظر الهيئة الإدارية طويلا واتصلت بالشرطة التي حلت بعين المكان لاعتقاله ،لكن بعد فترة قصيرة عاد نفس المروح ليحوم من جديد حول المدرسة يبيع « سلو » الممزوج بالمخدرات،ما جعل للمفاجأة وقع الصدمة داخل الثانوية التي استغربت للأمر .
وبماأن المؤسسات التعليمية أصبحت مجالا مفتوحا لترويج مختلف السموم من معجون، قرقوبي، كالة.. كثير من تجار المخدرات يقومون باستغلال بعض التلاميذ كوسطاء لترويج بضاعتهم مقابل مبالغ مالية محدودة، كوسيلة للإفلات من الاعتقال كما أكد ذلك كثير من عمداء الشرطة.
طاعون القرقوبي
«الحبوب المهلوسة»،القرقوبي ،البولة حمرا ضحاياه يسقطون يوميا بسبب خروج «المقرقبين» إلى الشوارع. فبعد أن دوخته » البولة الحمراء » اغتصب فتاة بالقوة ، فيما آخر أقدم على ذبح فرد من أفراد أسرته بعد بحث مضني عن المال كي يسكت جوع إدمانه. تتوالى الحكايات والمشاهد المرعبة ، يخاف الكثير من الخبراء التربويين أن تصل إلى المؤسسات التعليمية، بعدما اقتحمت الأقراص المهولسة المجال التربوي في تهديد واضح للناشئة ، دفعت جل الفاعلين الجمعويين الذين يحاربون الظاهرة في إطار قافلة «لا للقارقوبي» يدقون ناقوس الخطر.
ضعوف مصطفي منسق التواصل والإعلام بجمعية الكفاح لمحاربة القرقوبي ودعم ضحايا المخدرات يؤكد ا أن 25 في المائة من التلاميذ مدمنو مخدرات وأن هناك أطفالا لا يتجاوز عمرهم 11 سنة يستهلكون القرقوبي، و«أن الوضع أصبح خارج السيطرة ويستلزم تدخل الجميع، كل من موقعه، سواء الجمعيات والأحزاب والمجالس المنتخبة والأجهزة الأمنية
فمعظم التقارير الطبية تقول بأن هناك علاقة وطيدة بين الإدمان والجريمة إلا أن وزارة الصحة لا تلعب دورا مهما لمعالجة المدمنين والمساهمة في محاربة الجريمة، من خلال تعميم مراكز معالجة الإدمان على مختلف المدن المغربية. فمثلا مدينة الدار البيضاء التي تسجل بها أكبر نسبة استهلاك المخدرات بمختلف أنواعها، لا تتوفر سوى على مركز واحد لمكافحة الإدمان. وهذا المركز لا تتجاوز طاقته الاستيعابية 30 سريرا. كما أن مستشفى برشيد للأمراض العقلية والنفسية لا يتوفر على قسم خاص لمعالجة المدمنين يضيف مصدر جمعوي آخر.
ظاهرة مازالت مستعصية على الأمن
التقارير والآرقام التي توصلت بها كل من المصالح المركزية لوزارة الداخلية والادارة العامة للأمن الوطني مؤخرا حول تفعيل شرطة المدارس بمحيط المؤسسات التعليمية، سجلت أنه في الستة شهورالأولى من الموسم الدراسي الحالي تم تسجيل انخفاظ كبير وملموس في ترويج المخدرات والتحرش والتحريض على الدعارة والسرقة بالنشل تحث التهديد بالسلاح في محيط المدارس والاعداديات والثانويات بنسبة46 في المائة مقارنة مع نفس الشهور من الموسم الدراسي الماضي.
نتائج أتت تفعيلا لأوامر وزارة الداخلية بتنقية محيط الممؤسسات التعليمية من الغرباء وتجار المخدرات وسماسرة الدعارة الذين يتربصون بالتلميذات والتلاميذ.
مجهودات هي ثمرة اجتماع عقد في بداية شتنبرالماضي بالرباط وقبل أيام من بداية الموسم الدراسي الحالي وجمع مولاي “الطيب الشرقاوي” وزير الداخلية ووزيرالتربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي “أحمد اخشيشن وكاتبة الدولة في التعليم المدرسي” لدراسة التهييئ للدخول المدرسي لهذه السنة، وكان من القضايا التي تم الاتفاق حولها، توفير الأمن والسلامة بمحيط المؤسسات التعليمية بعد تزايد حالات الاعتداء على التلاميذ وانتشار ترويج المخدرات والتحريض على الدعارة.
للاشارة فإنه سجلت في الموسم الدراسي الماضي وحسب إحصاءات الإدارة العامة للأمن الوطني ارتفاعا في حالات الاعتداء بالعنف والسرقات في حق التلاميذ، كما انتشرت في محيط المؤسسات التعليمية بعدما أصبحث هذه الأخيرة هدفا لشبكات ترويج المخدرات، أنواعا وأشكالا مختلفة من السموم التي تختلف مكوناتها وأثمانها باختلاف المستويات الاجتماعية لتلاميذ هذه المدارس .
وحسب بحث ميداني أجرته إحدى الجمعيات أن ربع التلاميذ يتناولون مواد مخدرة، وخاصة المعجون الذي أصبح أكثر انتشارا في صفوف المتمدرسين لانخفاض أثمنته التي تختلف حسب النوع وحسب وجودها في السوق، يبدأ بخمسة دراهم بالنسبة إلى المعجون المعروف ب “الشكيليطة”، وقد يصل إلى أكثر من ذلك بالنسبة إلى النوع المسمى “بن لادن» عجزت معها الحملات التمشيطية التي تقوم خلالها الشرطة مدعومة بفرق الصقور برصد تحركات مزودي المدارس بالأقراص المهلوسة والمخدرات من تنقية محيط المؤسسات التعليمية.
سعاد شاغل
educpress